Wednesday, September 30, 2020

شرخٌ وجوديّ

لقد كانت سنة حافلة

مليئة بالتجليات

و القفزات

و الانتصارات

و لربما قلت التنويرات، لولا خوفي من أن أُفهم بشكل خاطئ..هه


أكتب هنا لأصف الشرخ الذي وجدت له اسما

و ظننت له سببا

الشرخ الوجودي


لقد كان جليا منذ سنتين 

الشتات العجيب

الخوف الذي يهز كياني 

خوف كثير 


لم أنظر في عيني هذا الخوف حتى السنة الماضية

و لذلك قصة عجيبة 

مصادفة، 

محادثة مع امرأة لا أعرفها و لا تعرفني ، من قارة أخرى 

سألتني سؤالا واحدا

عجزت عن إجابته

"ماذا يريد قلبك؟"

 

لقد كان ذلك في آخر شهر يونيو من السنة الماضية 


أجريت محادثتي مع هذه المرأة التي لا تعرفني، 

كانت استشارة مجانية .

هي تعمل كمستشارة في اختيار التخصصات

 وجدتها صدفة حين شاهدت فديو تيدكس تتحدث فيه هي عن قصتها عن تحويل مجالها من العمل في البنتاجون إلى مستشارة في مجالات العمل 

و أنها وجدت ما تحب، 

في نهاية حديثها وضعت على الشاشة الكبيرة خلفها في المسرح عنوان البريد الالكتروني الخاص بها

دونته لدي، راسلتها، و حجزت معها تلك الاستشارة 

كانت مدتها 10 دقائق

امرأة أمريكية

كانت تأكل شطيرة بينما تحدثني، أو كما بدا لي

أنهيت المحادثة و السؤال يرنّ بداخلي 

كلما أردت الجواب وجدت عقلي يقفز للرد..و ذلك ما لاحظته هي خلال حديثنا 

كنت أشرح لها كل الأسباب المنطقية و العملية و العقلية و الذكية و و و 

و تعود لتسألني "نعم و لكن هذا عقلك الآن يتحدث..و لكن ماذا يريد قلبك ؟" 


أنهيت المحادثة و استلقيت على ظهري

أخذت أسأل نفسي..لم أنا غير قادرة على سماع قلبي ؟

و حينها رأيت الخوف لأول مرة

رأيتني 

بعمر السبع سنين 

خائفة جدا 

من أن أفعل أي شيء قد لا يرضي عائلتي 

لا أتذكر كم من الوقت مضى و أنا مستلقية بهذا الشكل، أمر بتلك التجربة العجيبة التي أصبحت فيما بعد شيئا طبيعيا يتكرر  

أمضيت وقتا أحاول فهم هذه الطفلة الخائفة 

 لم الخوف ؟ ماذا سيحدث إن فعلتِ ما تريدين فعله و إن لم يعجبهم ؟ - سألتها

"لن يحبوني" ردت الطفلة


أمضيت تلك الليلة كلها في الكتابة 

كانت تلك المحادثة بمثابة الشق في الجدار المتهالك الذي كنت أشعر بقرب سقوطه

أمضيت عمرا أفكر فيما خلف هذا الجدار

أمضيت عمرا أعلم أن هنالك أمورا ما خلف الكواليس، خلف كواليس وعيي أنا ! تحكمني 


كان صيف 2019 مليئا بالتجليات

كنت أقرأ كثيرا عن الطرق الغير صحية التي تتعامل بها العوائل مع بعضها البعض 

و كما أقول دائما و لن أتوقف عن القول: عندما نسمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة تصبح الأمور أوضح بشكل كبير 


كانت تلك المحادثة بداية الرحلة 

بحثت بعدها عن معالجة نفسية مختصة بالصدمات 

كما تبين لي لاحقا، ذاك الخوف الذي وجدته في الطفلة التي بداخلي كان مصدره الابتزاز العاطفي الذي واجهته لفترة طويلة 


مرت سنة 

و تغيرت أمور كثيرة كثيرة 

أصبحت لدي مقدرة أفضل لسماع ما يريد قلبي 

و لكن تأتيني الشكوك كثيرا لتهز كياني و تفقدني الرؤية 


كنت ألاحظ فيّ هذا الأمر منذ فترة 

أصبح الأمر محبطا بشكل كبير 

أن لا تملك القدرة على الوثوق بنفسك و تشعر بالحاجة لإعادة النظر في قراراتك بشكل متكرر لهو أمر يمس إحساس الشخص بقيمته و قدرته 


و بعد مراسلات عديدة مع أخصائيتي النفسية، توصلت إلى التشخيص

أنا مصابة بشرخ وجودي : بوصلتي الداخلية لا تعمل 

قد تم ردمها كنتيجة لسنين من كتمان الصوت الداخلي، من الضغط الخارجي القسري ..الذي نسميه جميعا توجيهًا و حبًا و خوفًا على المصالح..و غير ذلك من الأسباب الوهمية


هنالك ارتياح كبير يأتي من معرفة ماهية المشكلة..من النظر في عينيها و التحديق بها..تقليبها و تمحيصها و وصفها..

عاهاتنتا الداخلية حين نضعها في الضوء..نرى أنها ليست مخيفة إلى ذلك الحد الذي كنا نتوقعه. 


أنا سعيدة أنني أعرف وصفا لعاهاتي الداخلية. 

نعم..عاهات. 

هي هكذا، تراكمات و تداعيات المشكلات التي مصدرها الطفولة.. 


إن لم تخش الامساك بها و الوصول إلى جذورها.. ستصبح مصدر قوة و ثبات

و إن أغلقت عليها الباب، و بنيت بينها و بينك الجدران، و أمضيت حياتك هاربا متظاهرا بعدم سماع كل الأصوات الداخلية..وقعت ضحية للمؤثرات الخفية الصادرة عما خلف الكواليس دون علمك


هذه الجروح لا تذهب..و لا تنضب..و لا تتوقف عن التأثير فينا حتى نعالجها.

و تلك رحلة طويلة..أجمل رحلة

رحلة العودة إلى الوطن..إلى المنبع..إلى نفسك


نعم..أنا اليوم لازلت أواجه مشكلة في تحديد وجهتي في الحياة..و لكنني متعاطفة مع ذاتي..مع الكسر الذي بداخلي..

"أمسك بيد ياسمين الصغيرة: "لا حاجة للخوف بعد اليوم، لا حاجة للشعور بالعار..ما حدث ليس من صنعك، و لا ذنب لك فيه. 

أنا اليوم متصالحة مع شتاتي، أمسك بيدي، فخورة بي، أؤمن بي

لم يكن يوما بي أيّ خطب..و إنما هو الأمر كذلك: إن حكمت على قدرات الأسماك باعتبار مهاراتها على اليابسة..ما رأيت إلا الفشل الذريع.


فيل مربوط بعامود



تقول لي الأخصائية النفسية، بأننا حين نخشى الخروج من دائرة المألوف، نكون حينها نشبه الفيل الذي تم ربطه بعامود منذ الصغر.
 و من حينها حتى يكبر، و حتى وصوله لمرحلة يكون فيها قويا بما يكفي لكسر العامود و التحرر، لا يتجرأ  على فعل ذلك أبدا. 





أنا الفيل المربوط بعامود. 




أشعر أن الله بتدبيره يعينني..و لكنني أخاف. 


أخاف كثيرا.






المألوف هو كل ما أعرف.

 من أكون خارج المألوف 



لا خيار آخر سوى كسر العامود، 
هذه الدائرة الضيّقة لا تشبهني في شيء
أنا لا أنتمي هنا 


أمضي

تغيرت تضاريس حياتي بالكليّة

أمضي في طريقي، مأخوذة بإحكام الرحلة، بمفاجآتها، بألطاف الله و رعايته لي في طرقٍ جديدة ، غير مألوفة.

ممتنة لرفقة مؤنسة يسخرها لي، ألقاها في الطريق. 


أمضي و لا أعلم أين ينتهي الطريق. 

و هل ينتهي الطريق ؟ 

الحياة سفر. 


أمضي و أشبه نفسي أكثر كلّ يوم. 

أمضي مسافرة، لا أرض لي، ليس بعد. 

كغيمة، سأمضي بهدوء، و يومًا ما، و بعد جدبٍ طويل، كل ما بداخلي سيمطر.



- اُلتقطت الصورة من على متن الرحلة الجوية من القاهرة إلى أسوان؛ ٣ فبراير٢٠٢٠